لمحات من بعض المؤلفات
الخبز الحافي
الخبز الحافي هي رواية تعدّ من أشهر النتاج الأدبي للكاتب الراحل محمد شكري. كتبت سنة 1972 و لم تنشر بالعربية حتى سنة 1982 وترجمت إلى 38 لغة أجنبية.
الخبز الخافي هي الجزء الأول من سيرة محمد شكري الذاتية التي استغرقت ثلاثة من أهم أعماله فبالإضافة إلى هذا الكتاب هناك كتاب زمن الأخطاء وكتاب وجوه. صرّح محمد شكري أن فكرة كتابة سيرته الذاتية كانت بدافع من صديقه الكاتب الأمريكي بول بولز المقيم في طنجة وقد باعه إياها مشافهة قبل أن يشرع فعلا في تدوينها
و قد أثار هذا العمل ضجة ومنع في معظم الدول العربية إذ اعتبره منتقدوه جريئا بشكل لا يوافق تقاليد المجتمعات العربية.
يطالع القارئ من خلال هذه الرواية سيرة الروائي الذاتية فقد أفصح عما لا يمكن أن يقال.. عن خفايا إنسانية لا يفصح عنها تبقى قيد الكتمان.
أتت الرواية لتحكي مأساة إنسان أبت ظروفه إلا أن يبقى في ظلمات الجهالة حتى العشرين من عمره فكانت حداثته انجرافاً في عالم البؤس حيث العنف وحده قوت المبعدين اليومي. لقد أتى النص مؤثراً حتى أن هذا العمل احتل موقعاً متميزاً في الأدب العالمي . وليس صدفة أن نشر بلغات أوروبية كثيرة قبل نشره بلغته العربي.
بالطبع هذه الرواية تمثل صورة "حقيقية" وليست مزورة.. لقد استطاع وبجدارة اجترار ما قدمه للجحيم في سنوات عمره في أسطر
السوق الداخلي
عالمان يتداخلان، ومساحة الزمان والمكان تغدوان رمزاً في أفق "السوق الداخلي" مرئيات علي "الشخصية المحورية" تدور ويدور على ذاته تبصر عيناه أحداثاً وصوراً تتناغم نفسه معها أو لا تتناغم لا يهم لأن الخيال وحده الذي ينقذه. يحلق خارجاً من إطار المكان والزمان ليخلق توليفة ربما تنسجم مع نفسيته ومع ما يتوق إليه. ويبقى لعلي الصوت.. حيث تذوب الوجوه لتختفي معلنة ولادة عالم الأصوات التي تستحضر العالم بكل أبعاده
الخيمة
على صفحات "الخيمة" تنزلق عيناك متابعة الكلمات التي تشعر وكأن أذناك تلتقطها. عبارات وكلمات نابية وغير نابية تسمعها وتروح مع محمد شكري عبر عالمه المغرق في الواقعية لتتعرف على أزقة وأسواق وحانات ونساء مغربيات، فقر مدقع، وروائح، وهيئات، وحالات لم يكتف محمد شكري على عادته بإشباعها وصفاً، بل هو بطريقة أو بأخرى امتد إلى دواخلها فكشف عنها... هي واقعيّة التي اختارها لأعماله الأدبية لم تمتد إليها يد الخيال، وكأن الواقع الأليم، الجوع، الخوف، القهر، الفقر والخيبة والفشل أفزعا الخيال فلاذ بالفرار
وجوه
"إننا لا نختار أحلامنا، ولكن لها صلة بوعينا ولاوعينا، كثير من أحلامنا تكشف من سحرها ما عشناه وما سنعيشه. أحلامنا هي قدرنا، ما شئنا من سحرها وما لم نشأ وكثيراً ما أنارت لنا جزءاً من حياتنا المظلم مبتغانا. حين تغيب عن الأحلام ألجأ إلى أحلام يقظتي، لكنها، ليست هي الأقوى من أحلام الغيب التي تملك مفاتيح حياتنا السرية، وجهي هو أحلامي السحرية".
هروب محمد شكري عبر الوجوه.. إلى زمن اخترقه.. إلى أحلام عاشها، أو لم يعشها.. ولكنها أحلامه التي ما زال يعيش عليها.
غواية الشحرور الابيض
يمثل الكتاب جملة في الأعمال الأدبية العالمية ليضع المؤلف نصوصها تحت مبضع الناقد العارف بأن ما من أحد فوق النقد لذا تراه يصول شرقاً وغرباً وعربياً وأجنبياً مشرحاً نصوصه دون خشية من سطوة الأسماء الكبيرة، فهو ينتقد نجيب محفوظ، وأدونيس بأسلوب يلغي التبعية الفكرية والفنية دون أن ينقص من كمية الاحترام التي يكنها لإنجازاتهما. لقد حاول شكري أن يدخل إلى النصوص التي يشرح من خلالها تجربته الأدبية وفهمه لدور الإبداع الأدبي.
الشطار
محمد شكري قلب غارق في الأحزان، وقلم سيّال غذته خيالات الهروب عبر الكلمات، وهو لا يحتاج إلى فن كثير ليحول بثه مشاهد وسيرته رواية، ذاك أنه، وهذه مفرداته، لا يرى الكتابة تنسيقاً وتأليفاً بل شهادة. وهو في روايته هذه وكما في روايته السابقة "الخبز الحافي" هو يستعيض بقوة الحياة من التفنن في الكتابة، وهذا لا يحصل إلا لمن كان مثل محمد شكري، غامضاً في الحياة، متوزعاً فيها، لكن في الوقت نفسه، يراقبها بعين خفية ساخط
مجنون الورد
"جالس في رحبة مقهى سنترال، وضعي مسترخ. غير مبال بالعابرين. هادئ. ينبغي لمن يريد أن يكلمك أن يهزك من كتفك. هكذا قال لي صديقي. نصفي الأسفل في الشمس. وضع لي كوب شاي. حذرني منه: إنه يحوم حولك. لا تهتم به. يطلب جرعة شاي حذرني منه: إنه يحوم حولك. لا تهتم به. يطلب جرعة شاي، إن لم يعطه أحد إياها فإنه يطلب النعنع ليمتصه، بعد أن يرى الكوب فارغاً. من تقصده؟ ألا تراه؟ ميمون".
على العكس من معظم الكتاب الآخرين، تعلّم محمد شكري لغة الأشياء العارية القاسية، قبل أن يتعلم الكلمات "المعبرة"، لذلك تظل حياته اليومية هي الأساس، وتغدو الكتابة بالنسبة له إدماناً جزئياً يرفض أن يجعل منه قناعاً للتجميل أو مطية للارتقاء في السلم الاجتماعية. الخيوط التي ينسج منها شكري مجموعته القصصية "مجنون الورد" تنتهي إلى رسم "جغرافيا سرية" للمدنية ولتحت أرضها، تبدأ تناسلها جميعاً، من مناخ الهامشيين أو من عالم الأطفال. يبدأ الحكي بتلقائية توهمنا أنه يحكي واقعة من "الوقائع المختلفة"، شاهدها في الطريق أو قرأها في الصحيفة وأعاد صياغتها. لكن هذا التوهم سرعان ما يبدده سطوع كلمات مفاجئة وعبارات مكثفة محملة بالإيحاءات والدلالات، تنقلنا إلى عالم قصصي تؤطره وتوحده تلك الخيوط المتناثرة في مختلف القصص. قوام هذا العالم عند شكري، الهامشيون أو الليليون (مقابل النهاريين كما يحلو له أن يقسم الناس).. في قصة "بشير حياً وميتاً" يجسد شكري هذه العلاقة الغريبة بين العاديين العقلاء والشواذ المجانين: بشير "الأحمق" يقلق الآخرين لكنه يسليهم لأنه ليس فاهم. يتحلقون حوله وهو ممدد في الشارع متمنين موته.. وعندما يستيقظ من غيبوبته يصابون بخيبة أمل: "سينظرون إليه كشبح وهو يسير بينهم". وتلقائية شكري، التي يحكي بها، تلازمه وهو يسمي الأشياء المكونة للاهتمامات اليومية عند أشخاصه الهامشيين. ويكون الجنس في طليعة تلك الاهتمامات. إن الثنائية الفاصلة بين الأشياء تنعدم في سلوكاتهم، والجسد كلي، به يواجهون العالم، ومنه يستوحون ردود الفعل.. والشهوة تختلط بما هو نباتي وحيواني، وبالوجود والعدم
جان جنيه في طنجة تينسي وليامز في طنجة
إن كتاب محمد شكري عن جنبيه في طنجة يمثل صورة متكاملة عن جان جنيه، وسيتابع القارئ أحداثه بحواسه حتى ليخيل إليه أنه يسمعه بوضوح كما لو أنه يشاهد فيلماً. ومن أجل أن يحقق الواحد دقة من هذا النوع عن طريق سرد الأحداث وتسجيل ما قيل فيه على المرء أن يمتلك صفاءً نادراً في الرؤية يملكه كانت هذه المذكرات بحق.
لم يقتصر هذا الكتاب على لقاء محمد شكري بـ"جان جنيه" بل هو ضم في طياته لقاءه مع تينسي وليامز. وكتاب شكري هذا يصف لقاء من الصنف الثالث. فحينما علم أن تينسي وليامز قد شوهد في طنجة في صيف 1973، قرر شكري فوراً أن يتحرّى الزائر الأمريكي المشهور.
كان هناك حاجز لغوي، شكري يحسن الإسبانية ويتكلم فرنسية مقبولة، فضلاً عن _الريفية الأمازيغية_ و العربية، أما انكليزيته (كما هي إسبانية وفرنسية تينسي) فهي ابتدائية، وكلاهما يملك مزاجاً مناقضاً في مظهرين هامين. إن دعابة تينسي فجائية ومتفجرة، ودعابة شكري خفية وممتنعة. شكري يبحث عن النقاش الأدبي، وتينسي يفضل تجنبه، أحدهما نسبياً مجهول، والآخر جدّ مشهور، ولكن فيما يقال إن المضادان تتجاذب، فربما يراد التعبير عنه هو أن المشابهات تنبع رغم الاختلافات.
إن شكري مثلما هو تينسي كلهما هارب من ماضيه، كلاهما غير مكترث بكل بشيء وكلاهما متوحد. وإذا كانت حكاية شكري حول عبور تينسي في طنجة الذي دام ثلاثة أسابيع، خلال الصيف، قد أعطت أثرها، فذلك أن الأمر يتعلق بمجموعة من اللحظات، بسلسلة من المقاطع التي تظهر كيف تنشأ الظرافة من الفضول. "إن الطريقة التي يعبر بها تينسي تروق لي" هكذا يقول شكري ذات لحظة. إنه بالغ الصدق فيما يقول، وأجود من هذا الكيفية التي يبلغ بها إلينا.